Wednesday, March 14, 2012

مسيرة مجلة المجلة - من عام 1957 إلى عام 1971

بقلم أسامة عفيفى والصور بريشة الفنان محمد حجى 

في خضم الاحتفالات الشعبية بانتصار مصر على العدوان الثلاثي، وامتلاك المصريين لأول مرة لمقدرات بلدهم اقتصادياً، وسياسياً.. وفي أوج الزهو القومي.. قررت وزارة الإرشاد القومي التي كان يتولاها شيخ المجاهدين "فتحي رضوان" تأسيس مجلة "المجلة" لتكون منارة فكرية تصدر من القاهرة منفتحة على الفكر الإنساني وتنشر العقلانية، والمعرفة بين ربوع الوطن العربي..

فمصر بعد تأميم القناة ومعركة بورسعيد أصبحت مركز الثورات في الوطن العربي، والعالم، وأصبح من حق الإنسان المصري أن يعرف ما الذي يدور حوله في العالم من أفكار وتيارات وتولى الدكتور "محمد عوض محمد" أحد أهم المثقفين المصريين الذين ساهموا في تأسيس علوم الجغرافيا العربية الحديثة بالإضافة إلى دوره الهام في الترجمة، والتحليل السياسي فهو أول من ترجم "فاوست" للغة العربية حتى عُرف باسم: "مترجم فاوست" هذا فضلاً عن دروه في الإبداع القصصي والروائي.. ولقد أهلَّته هذه الموسوعية في الفكر لأن يشكل ملامح، وشخصية مجلة "المجلة" التي كانت تستهدف القارئ العادي لأن القارئ المثقف على حد تعبير "محمد عوض محمد" يعرف أين يجد بغيته..

لذا فلقد شملت أبواب المجلة مختلف مجالات الفنون، والآداب، وحشد لها رئيس تحريرها الأول الأقلام العربية من مختلف العواصم، والتخصصات فتعرضت منذ أعدادها الأولى لفنون العمارة والموسيقى والباليه والرسم والشعر والنحت، والفكر بالإضافة إلى دورها في نقل ما يحدث من تطورات ثقافية في الوطن العربي، والعالم أولاً بأول من خلال كتابات مترجمين متخصصين وعلماء ومفكرين، فأصبحت سجلاً دقيقاً لكل جديد على مستوى العلوم والفنون ومثَّلت جسراً معرفياً بين القارئ العربي، والإبداع والفكر العالميين..

ولقد لفت نظرنا في عددها الأول مقال "لفتحي رضوان" بعنوان "قناة السويس بين التأميم، والتدويل.." وضع أسفل عنوانه عبارة: بقلم الأستاذ "فتحي رضوان".. غير مسبوقة بمنصبه كوزير للإرشاد.. وكأن رئيس التحرير يريد أن ينبه القارئ إلى أن هذه المجلة تنشر "للكتَّاب" لأنهم "كتَّاب" ولا علاقة بين ما يكتبون، وبين مناصبهم.. بل إنه يؤكد أن صفة "الكاتب" أهم من منصب "الوزير"... هذا بالإضافة إلى أن "الوزير" نفسه كان يؤمن بما تؤمن به المجلة..
ولقد تكرر نفس الشيء في أحد أعداد "المجلة" إبّان تولي دكتور "الراعي" رئاسة تحريرها، حيث نشر مقالاً "لثروت عكاشة" باسمه دون ذكر منصبه، في حين أنه كان نائباً لرئيس الوزراء، ووزيراً للثقافة في ذلك الوقت..


لم يستمر الدكتور "محمد عوض محمد" كثيراً في "المجلة" فلقد تركها ليتفرغ لمشروعات أخرى، بعد أن أعطاها ملامحها، وشخصيتها في أغسطس 1957.. 

ليتولى رئاسة تحريرها الدكتور "حسين فوزي" من عدد
 سبتمبر 1957 وحتى فبراير 1959. ولقد حافظ الدكتور "حسين فوزي" على نفس نهج الدكتور "عوض" وأصبحت "المجلة" سجلاً لكل ما هو جديد في الثقافة الإنسانية، وانفتحت على الفنون الأفريقية والآسيوية، كما تعرضت للفنون، والثقافة في أمريكا اللاتينية مبكراً. بالإضافة إلى متابعته لفنون أوروبا، وروسيا بشكل مكثف.. محافظاً على دورها المعرفي، والعقلاني مستقطباً الأقلام العربية والعالمية ومترجماً للإبداعات العالمية فور صدورها، فأصبحت منارة لكل جديد وجاد وزاداً ثقافياً أسهم في تكوين مثقفي الوطن العربي، والرقي بذائقة ووعي القارئ العربي العادي..
وفي مارس 1959 تولى الدكتور "علي الراعي" رئاسة تحريرها.. واستطاع الدكتور "الراعي" أن يطور من أدائها، وشخصيتها من خلال اهتمامه بفنون الشعوب، بالإضافة إلى إبداعات المفكرين والأدباء....فنشرت في عهده كتابات عن فنون الشارع، والفلكلور، والتراث الشفاهي في مصر والوطن العربي والعالم، وظهرت أسماء: "أحمد رشدي صالح ود. عبد الحميد يونس وسعد الخادم" على صفحاتها يكتبون عن إبداعات الشعوب، وفنونها.. كما شهدت هذه الفترة إسهامات نقدية هامة للدكتور "محمد مندور ورمسيس يونان وزكي نجيب محمود".. فضلاً عن إسهامات "لويس عوض ود. طه حسين وعثمان أمين وعلي أدهم والجباخنجي وأنور عبد الملك".. وفي إبريل 1962 ترك "علي الراعي" "المجلة" لخروج ثروت عكاشة من الوزارة وتولى عبد القادر حاتم .....

فتولى "يحيي حقي" رئاسة التحرير من مايو 1962 وحتى نهاية عام 1970، وهي أطول فترة يقضيها رئيس تحرير للمجلة في تاريخها.. لذا ارتبط اسم "المجلة" باسم يحيي حقي، حتى لقد كان شائعاً أن يقول الناس: "مجلة يحيي حقي" واستطاع الرجل العملاق أن يحافظ على شخصيتها كمنبر للمعرفة، والعقل محولاً إياها إلى معمل تفريخ للمواهب الحقيقية.. يكتشفها ويرعاها، ويدفعها للأمام.. وفتح صفحاتها للأجيال الشابة من المبدعين، في القصة والشعر والنقد والفكر ليصنع نجوم جيل الستينيات في "شرفة المجلة" بشارع عبد الخالق ثروت هذه "الشرفة" التي كان يحاور فيها هذا الجيل القادم من الريف بنصوصه الأولى يناقشهم ويحاورهم ويطور من ثقافتهم.. وينشر لهم جنباً إلى جنب الرواد والراسخين في الفكر والعلم.. ومازال دور يحيي حقي في تقديم، واكتشاف هؤلاء مجهولاً ولم يدرس بعد، فالرجل بحق هو "الأب الروحي" لجيل الستينيات من المبدعين. وهو الذي رعاهم وطمأنهم على مواهبهم وشق أمامهم طريق النجومية الحقيقية، وظل يحيي حقي يقوم بهذا الدور حتى العام الأخير من رئاسته للتحرير،

حيث فوض نائبه الدكتور "شكري عياد" لإدارة المجلة في خلال الشهور الأخيرة قبل أن يحتدم الخلاف بينه وبين المؤسسة الرسمية ويتركها في أكتوبر 1970
ليتولى رئاسة تحريرها الدكتور "عبد القادر القط" منذ نوفمبر 1970 حتى قرار "السادات" بإغلاقها، وإغلاق المجلات التي كانت تصدرها "هيئة الكتاب" في أكتوبر 1971 وهو ما عرف بقرار "إطفاء المصابيح الثقافية"

ولقد قيل تبريراً لهذا القرار أن هيئة الكتاب التي كانت تصدرها هي هيئة "للكتاب" وليس للمجلات!!! لكن الهدف الرئيسي من القرار كان إغلاق منافذ "المعرفة والعقل" لعزل مصر عن دورها العربي. وتجريف العقل المصري وهو ما تحقق بالفعل حتى إسقاط الشعب لنظام مبارك في 25 يناير 2011